كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



وقد صح عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل أنه لم يتجاوز إحدى عشرة ركعة. ولكنه كان يقضي في هذه الركعات ثلثي الليل إلا قليلاً، يرتل فيه القرآن ترتيلاً.
روى الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا يحيى بن سعيد هو ابن أبي عروبة عن قتادة، عن زرارة ابن أوفى، عن سعيد بن هشام.. أنه أتى ابن عباس فسأله عن الوتر فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: ائت عائشة فسلها، ثم ارجع إلي فأخبرني بردها عليك.. ثم يقول سعيد بن هشام: قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. فهممت أن أقوم، ثم بدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ هذه السورة: {يا أيها المزمل}؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم. وأمسك الله ختامها في السماء اثني عشر شهراً.
ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة.. فهممت أن أقوم، ثم بدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم- قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله كما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوّك ثم يتوضأ، ثم يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن، إلا عند الثامنة، فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو، ثم ينهض وما يسلم، ثم يقوم ليصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله وحده، ثم يدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا. ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع ثم صلى ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، فتلك تسع يا بني. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها. وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض صلى من نهار اثنتي عشرة ركعة. ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة حتى أصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان..
وكان هذا الإعداد للقول الثقيل الذي سينزله الله عليه..
{إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً}..
هو هذا القرآن وما وراءه من التكليف.. والقرآن في مبناه ليس ثقيلاً فهو ميسر للذكر. ولكنه ثقيل في ميزان الحق، ثقيل في أثره في القلب: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله} فأنزله الله على قلب أثبت من الجبل يتلقاه..
وإن تلقي هذا الفيض من النور والمعرفة واستيعابه، لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.
وإن التعامل مع الحقائق الكونية الكبرى المجردة، لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.
وإن الاتصال بالملأ الأعلى وبروح الوجود وأرواح الخلائق الحية والجامدة على النحو الذي تهيأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.
وإن الاستقامة على هذا الأمر بلا تردد ولا ارتياب، ولا تلفت هنا أو هناك وراء الهواتف والجواذب والمعوقات، لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل.
وإن قيام الليل والناس نيام، والانقطاع عن غبش الحياة اليومية وسفسافها؛ والاتصال بالله، وتلقي فيضه ونوره، والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه، وترتيل القرآن والكون ساكن، وكأنما هو يتنزل من الملأ الأعلى وتتجاوب به أرجاء الوجود في لحظة الترتيل بلا لفظ بشري ولا عبارة؛ واستقبال إشعاعاته وإيحاءاته وإيقاعاته وفي الليل الساجي.. إن هذا كله هو الزاد لاحتمال القول الثقيل، والعبء الباهظ والجهد المرير الذي ينتظر الرسول وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل! وينير القلب في الطريق الشاق الطويل، ويعصمه من وسوسة الشيطان، ومن التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير.
{إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً}..
{ناشئة الليل} هي ما ينشأ منه بعد العشاء؛ والآية تقول: {إن ناشئة الليل هي أشد وطأ}: أي أجهد للبدن، {وأقوم قيلاً}: أي أثبت في الخير (كما قال مجاهد) فإن مغالبة هتاف النوم وجاذبية الفراش، بعد كد نهار، أشد وطأ وأجهد للبدن؛ ولكنها إعلان لسيطرة الروح، واستجابة لدعوة الله، وإيثار للأنس به، ومن ثم فإنها أقوم قيلاً، لأن للذكر فيها حلاوته، وللصلاة فيها خشوعها، وللمناجاة فيها شفافيتها. وإنها لتسكب في القلب أنساً وراحة وشفافية ونوراً، قد لا يجدها في صلاة النهار وذكره.. والله الذي خلق هذا القلب يعلم مداخله وأوتاره، ويعلم ما يتسرب إليه وما يوقع عليه، وأي الأوقات يكون فيها أكثر تفتحاً واستعداداً وتهيؤاً، وأي الأسباب أعلق به وأشد تأثيراً فيه.
والله سبحانه وهو يعد عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ليتلقى القول الثقيل، وينهض بالعبء الجسيم، اختار له قيام الليل، لأن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً. ولأن له في النهار مشاغله ونشاطه الذي يستغرق كثيراً من الطاقة والالتفات:
{إن لك في النهار سبحاً طويلاً}..
فلينقض النهار في هذا السبح والنشاط، وليخلص لربه في الليل، يقوم له بالصلاة والذكر:
{واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً}..
وذكر اسم الله، ليس هو مجرد ترديد هذا الإسم الكريم باللسان، على عدة المسبحة المئوية أو الألفية! إنما هو ذكر القلب الحاضر مع اللسان الذاكر؛ أو هو الصلاة ذاتها وقراءة القرآن فيها. والتبتل هو الانقطاع الكلي عما عدا الله، والاتجاه الكلي إليه بالعبادة والذكر، والخلوص من كل شاغل ومن كل خاطر، والحضور مع الله بكامل الحس والمشاعر.
ولما ذكر التبتل وهو الانقطاع عما عدا الله، ذكر بعده ما يفيد أنه ليس هناك إلا الله، يتجه إليه من يريد الانجا.
{رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذوه وكيلاً}..
فهو رب كل متجه.. رب المشرق والغرب.. وهو الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو. فالانقطاع إليه هو الانقطاع للحقيقة الوحيدة في هذا الوجود؛ والتوكل عليه هو التوكل على القوة الوحيدة في هذا الوجود. والاتكال على الله وحده هو الثمرة المباشرة للاعتقاد بوحدانيته، وهيمنته على المشرق والمغرب، أي على الكون كله.. والرسول الذي ينادى: قم.. لينهض بعبئه الثقيل، في حاجة ابتداء للتبتل لله والاعتماد عليه دون سواه. فمن هنا يستمد القوة والزاد للعبء الثقيل في الطريق الطويل ثم وجه الله الرسول إلى الصبر الجميل على ما يلقاه من قومه من الاتهام والإعراض والصد والتعطيل. وأن يخلي بينه وبين المكذبين! ويمهلهم قليلاً.
فإن لدى الله لهم عذاباً وتنكيلاً:
{واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينآ أنكالاً وجحيما وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليما يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلا إنآ أرسلنآ إليكم رسولاً شاهداً عليكم كمآ أرسلنآ إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلا فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً السمآء منفطر به كان وعده مفعولا}..
وإذا صحت الرواية الأولى عن نزول مطلع هذه السورة في بدء البعثة، فإن هذا الشوط الثاني منها يكون قد نزل متأخراً بعد الجهر بالدعوة، وظهور المكذبين والمتطاولين، وشدتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين. فأما إذا صحت الرواية الثانية فإن شطر السورة الأول كله يكون قد نزل بمناسبة ما نال النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين وصدهم عن الدعوة.
وعلى أية حال فإننا نجد التوجيه إلى الصبر، بعد التوجيه إلى القيام والذكر، وهما كثيراً ما يقترنان في صدد تزويد القلب بزاد هذه الدعوة في طريقها الشاق الطويل، سواء طريقها في مسارب الضمير أو طريقها في جهاد المناوئين، وكلاهما شاق عسير.. نجد التوجيه إلى الصبر. {واصبر على ما يقولون}.. مما يغيظ ويحنق، {واهجرهم هجراً جميلاً}.. لا عتاب معه ولا غضب، ولا هُجر فيه ولا مشادة. وكانت هذه هي خطة الدعوة في مكة وبخاصة في أوائلها.. كانت مجرد خطاب للقلوب والضمائر، ومجرد بلاغ هادئ ومجرد بيان منير.
والهجر الجميل مع التطاول والتكذيب، يحتاج إلى الصبر بعد الذكر. والصبر هو الوصية من الله لكل رسول من رسله، مرة ومرة ومرة؛ ولعباده المؤمنين برسله. وما يمكن أن يقوم على هذه الدعوة أحد إلا والصبر زاده وعتاده، والصبر جنته وسلاحه، والصبر ملجؤه وملاذه. فهي جهاد.. جهاد مع النفس وشهواتها وانحرافاتها وضعفها وشرودها وعجلتها وقنوطها.. وجهاد مع أعداء الدعوة ووسائلهم وتدبيرهم وكيدهم وأذاهم. ومع النفوس عامة وهي تتفصى من تكاليف هذه الدعوة، وتتفلت، وتتخفى في أزياء كثيرة وهي تخالف عنها ولا تستقيم عليها. والداعية لا زاد له إلا الصبر أمام هذا كله، والذكر وهو قرين الصبر في كل موضع تقريباً!
اصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً.. وخل بيني وبين المكذبين، فأنا بهم كفيل: {وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً}.. كلمة يقولها الجبار القهار القوي المتين.. {وذرني والمكذبين}.. والمكذبون بشر من البشر، والذي يتهددهم هو الذي أنشأهم ابتداء وخلق هذا الكون العريض {بكن} ولا تزيد!
ذرني والمكذبين.. فهي دعوتي. وما عليك إلا البلاغ. ودعهم يكذبون واهجرهم هجراً جميلاً. وسأتولى أنا حربهم، فاسترح أنت من التفكير في شأن المكذبين!
إنها القاصمة المزلزلة المذهلة حين يخلو الجبار، إلى هذه الخلائق الهينة المضعوفة.
{أولي النعمة} مهما يكن من جبروتهم في الأرض على أمثالهم من المخاليق!
{ومهلهم قليلاً} ولو مهلهم الحياة الدنيا كلها ما كانت إلا قليلاً. وإن هي إلا يوم أو بعض يوم في حساب الله. وفي حسابهم هم أنفسهم حين تطوى، بل إنهم ليحسونها في يوم القيامة ساعة من نهار! فهي قليل أياً كان الأمد، ولو مضوا من هذه الحياة ناجين من أخذ الجبار المنتقم الذي يمهل قليلاً ويأخذ تنكيلاً:
{إن لدينا أنكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً}..
والأنكال هي القيود والجحيم والطعام ذو الغصة الذي يمزق الحلوق والعذاب الأليم.. كلها جزاء مناسب {لأولي النعمة}! الذين لم يرعوا النعمة، ولم يشكروا المنعم، فاصبر يا محمد عليهم صبراً جميلاً وخل بيني وبينهم. ودعهم فإن عندنا قيوداً تنكل بهم وتؤذيهم، وجحيماً تجحمهم وتصليهم، وطعاماً تلازمه الغصة في الحلق، وعذاباً أليماً في يوم مخيف..
ثم يرسم مشهد هذا اليوم المخيف:
{يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلاً}..
فها هي ذي صورة للهول تتجاوز الناس إلى الأرض في أكبر مجاليها. فترجف وتخاف وتتفتت وتنهار. فكيف بالناس المهازيل الضعاف!
ويلتفت السياق أمام مشهد الهول المفزع، إلى المكذبين أولي النعمة، يذكرهم فرعون الجبار، وكيف أخذه الله أخذ عزيز قهار: {إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً}.
هكذا في اختصار يهز قلوبهم ويخلعها خلعاً، بعد مشهد الأرض والجبال وهي ترجف وتنهار.
فذلك أخذ الآخرة وهذا أخذ الدنيا؛ فكيف تنجون بأنفسكم وتقوها هذا الهول الرعيب؟
{فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً السماء منفطر به}..
وإن صورة الهول هنا لتنشق لها السماء، ومن قبل رجفت لها الأرض والجبال. وإنها لتشيب الولدان. وإنه لهول ترتسم صوره في الطبيعة الصامتة، وفي الإنسانية الحية.. في مشاهد ينقلها السياق القرآني إلى حس المخاطبين كأنها واقعة.. ثم يؤكدها تأكيداً. {كان وعده مفعولاً}.. واقعاً لا خلف فيه. وهو ما شاء فعل وما أراد كان!
وأمام هذا الهول الذي يتمثل في الكون كما يتمثل في النفس يلمس قلوبهم لتتذكر وتختار طريق السلامة.. طريق الله..
{إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً}..
وإن السبيل إلى الله لآمن وأيسر، من السبيل المريب، إلى هذا الهول العصيب!
وبينما تزلزل هذه الآيات قوائم المكذبين، تنزل على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم والقلة المؤمنة المستضعفة إذ ذاك بالروح والثقة واليقين. إذ يحسون أن ربهم معهم، يقتل أعداءهم وينكل بهم. وإن هي إلا مهلة قصيرة، إلى أجل معلوم. ثم يقضى الأمر، حينما يجيء الأجل ويأخذ الله أعداءه وأعداءهم بالنكال والجحيم والعذاب الأليم.
إن الله لا يدع أولياءه لأعدائه، ولو أمهل أعداءه إلى حين.
..
والآن يجيء شطر السورة الثاني في آية واحدة طويلة، نزلت بعد مطلع السورة بعام على أرجح الأقوال:
{إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطآئفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}..
إنها لمسة التخفيف الندية، تمسح على التعب والنصب والمشقة. ودعوة التيسير الإلهي على النبي والمؤمنين. وقد علم الله منه ومنهم خلوصهم له. وقد انتفخت أقدامهم من القيام الطويل للصلاة بقدر من القرآن كبير. وما كان الله يريد لنبيه أن يشقى بهذا القرآن وبالقيام. إنما كان يريد أن يعده للأمر العظيم الذي سيواجهه طوال ما بقي له من الحياة. هو والمجموعة القليلة من المؤمنين الذين قاموا معه.
وفي الحديث مودة وتطمين: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك}.. إنه رآك! إن قيامك وصلاتك أنت وطائفة من الذين معك قبلت في ميزان الله.. إن ربك يعلم أنك وهم تجافت جنوبكم عن المضاجع؛ وتركت دفء الفراش في الليلة القارسة، ولم تسمع نداء المضاجع المغري وسمعت نداء الله.. إن ربك يعطف عليك ويريد أن يخفف عنك وعن أصحابك.. {والله يقدر الليل والنهار}.. فيطيل من هذا ويقصر من ذاك. فيطول الليل ويقصر. وأنت ومن معك ماضون تقومون أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه. وهو يعلم ضعفكم عن الموالاة. وهو لا يريد أن يعنتكم ولا أن يشق عليكم. إنما يريد لكم الزاد وقد تزودتم فخففوا على أنفسكم، وخذوا الأمر هيناً: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن}.. في قيام الليل بلا مشقة ولا عنت.. وهناك في علم الله أمور تنتظركم تستنفد الجهد والطاقة، ويشق معها القيام الطويل: {علم أن سيكون منكم مرضى} يصعب عليهم هذا القيام {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله}.. في طلب الرزق والكد فيه، وهو ضرورة من ضرورات الحياة. والله لا يريد أن تدعوا أمور حياتكم وتنقطعوا لعبادة الشعائر انقطاع الرهبان! {وآخرون يقاتلون في سبيل الله}.. فقد علم الله أن سيأذن لكم في الانتصار من ظلمكم بالقتال، ولإقامة راية للإسلام في الأرض يخشاها البغاة! فخففوا إذن على أنفسكم {فاقرءوا ما تيسر منه} بلا عسر ولا مشقة ولا إجهاد.. واستقيموا على فرائض الدين: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}.. وتصدقوا بعد ذلك قرضاً لله يبقى لكم خيره.